القاهرة الفاطمية
تتألف القاهـرة الحاليـة من أربع
مدن قد يمة ،كانت كل واحدة منها عاصمة حقبة من الزمان ،
وتعاقبت فى الظهور ، الواحدة تلو الأخرى ،
وتمثل كل منها طورا فى حياة العهد الاسلامى بمصر،
والنظم السياسية، والحياة الاجتماعية والاقتصادية بها .
هـذه المدن هـى على الترتيب : الفسطاط ، والعسكر ، والقطائع ،
والقاهرة المعزية . والمشاهد أنها جميعا
تقع فيما بين شاطىء النيل الشرقى وتلال المقطم .
وكان طبيعيا أن تلى الواحدة الأخرى ناحية الشمال ،
أو بعبارة أخرى أن يكون نمو القاهرة وامتدادها من الجنوب الى الشمال ،
مادامت تلال المقطم تقف حائلا دون نموها ناحية الشرق ، والنيل من ناحية الغرب .
هذا اذا استـثنينا الأرض التى كان النيل يطرحها على شـاطئه الـشرقى ،
بعد أن يتـحول ناحـية الـغرب ،
اذ المعروف أن النيل كان يحف بجدران جامع عمرو وقت انشائه ،
ولكنه ابتعد عنه اليوم مسافة تزيد على خمسمائة متر .
فالفسطاط أول حاضرة لمصر الاسلامية ،
وأقدم الحواضر الاسلامية بمصر جميعا .
أنشأها عمرو بن العاص سنة20هـ. (641م)
وظلت مركز السيادة طوال عصر الخلفاء الراشدين ،
والدولة الأموية . فلما أفل نجم الأمويين ، ودالت دولتهم،
وقامت على أنقاضها دولة بنى العباس ،
أنشأ أبوعون عبد الملك بن يزيد ،
والى مصر من قـبـل الخليفة أبى العباس عبد الله السفاح ،
أول الخلفاء العباسيين مدينة العسكرسنة 133هـ (751م)
واتخذها قصبة لـولايته ولما آ ل حكم مصر الى الأمير أحمد بن طولون،
أنشأ له عاصمة جديدة سنة 256هـ ( 870م) ،
هـى مدينة القطائع ، وظلت كذلك طوال عصر الطولونيين والاخشـديين
فلما غزا الفاطميون مصر ، كان أول ماقام به جوهر الصقلى ، قائد المعز لدين الله الفاطمى ،
بعد أن امتلك زمام مصر ، وأخضعها لنفوذ الفاطميين ،
أن أنشأ عاصمة جديدة سنة 358هـ (969م) . تلك هى القاهرة المعزية ،
التى انتقلت اليها حاضرة ملك الفاطميين ،
ومركز سيادتهم من شمالى افريقية .
وانتشرفى الخافقين صيتها،
وذاعت شهرتها ، حتى فاقت بغداد وقرطبة ،
وصارت فى وقت من الأوقات عاصمة العالم الاسلامى بأسره ،
ومركز تلاقى شعوبه ، ومبعث النشاط والثقافة والعلوم الاسلامية
فلما قضى صلاح الدين الآيوبى على الدولة الفاطمية ، وأنشأ دولته الأيوبية
، شرع يجمع العواصم الأربع سنة 572هـ (1176م )
فى صعيد واحد، ليتخذ منها عاصمة موحدة ، تتفق وجلال امبراطوريته ،
وعظمة ملكه . ولهذا الغرض ، ولكى تكون قادرة على رد هجوم الأعداء ،
والصمود أمام غارات المغيرين ، أخذ يحيطها بسور عظيم .
ولكنه توفى قبل اتمامه ، فأتمه خلفاؤه من بعده .
ويمتد من أثر النبى ، جنوبى الفسطاط
وينتهى عند قلعة المقس ظلت القاهرة منذ عهد الفاطميين
حتى الوقت الحاضر عاصمة البلاد ،
وحاضرة الملك ، ومركز السيادة فيها.
ولم يقتصر تخطيطها على الحدود التى حددت
بها وقت أن أنشأها الفاطميون ،بل ظلت تمتد شمالا وغرب
ا مسافات طويلة ، ولم يقف النيل عقبة فى سبيل امتدادها غربا
، بل أنها تزداد مساحة ، عاما بعد عاما ، ويتوالى زحفها باستمرار
، حتى تلاقت بحدود مديريتى الجيزة والقليوبية
، وذلك بفضل ما أنشىء على النيل من قناطر ( كبارى )
ربطت بين شاطىء النيل ، وجعلت امتداد القاهر
ة ناحية الغرب أمرا ميسورا وضروريا
، لمقابلة الزيادة المطردة فى عدد السكان هذه نظرة عابرة
، تصور تاريخ القاهرة ، وادوار تطورها .